نفوذ الواصلين- رحلة القنيبط وتساءلات حول الرقابة والمساءلة.

المؤلف: عبدالعزيز النهاري08.18.2025
نفوذ الواصلين- رحلة القنيبط وتساءلات حول الرقابة والمساءلة.

يعد الدكتور محمد القنيبط من بين الكتاب المتميزين الذين يبذلون جهودًا جبارة في صياغة مقالاتهم القيمة. أعتبره صاحب قلم رفيع المستوى، وأحرص على متابعة كتاباته منذ أن كان يطل علينا من خلال مجلة اليمامة في أوج تألقها، تلك المجلة التي لعبت دورًا رائدًا وغير مسبوق في تاريخنا الإعلامي الزاهر. لقد كان النقد في تلك الحقبة محفوفًا بمخاوف جمة ومتنوعة، مما وضع رؤساء التحرير في مواقف حرجة لا يحسدون عليها. ولكن تلك المرحلة بكل ما فيها من تقلبات قد ولت وانقضت.

في مقاله الأخير، اصطحبنا الدكتور القنيبط في جولة "تنويرية" سلط فيها الضوء على موضوع "الرجال الواصلين". وعلى الرغم من قوة الطرح، ودقة المعلومات، وصحتها المتناهية، وبعد قراءتي المتأنية للحالات الخمس التي استعرضها، بالإضافة إلى الحالة المعاصرة التي يتصدرها وزير قائم، فقد وجدتني غارقًا في حيرة عميقة إزاء هؤلاء "الرجال الواصلين" الذين أشار إليهم. كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص ذوي النفوذ أن يصولوا ويجولوا، وأن يعيثوا فسادًا في وزاراتهم ومؤسساتهم، وأن يتصرفوا كما يحلو لهم، وهم محاطون بأجهزة رقابية يفترض أنها على اتصال مباشر بصناع القرار؟ ففي قضية بترومين على سبيل المثال، لم يكن هناك ما يمنع وزير المالية آنذاك من التواصل مع رئيس الوزراء وعرض المخالفات التي ارتكبها وزير البترول والثروة المعدنية. علاوة على ذلك، كانت هناك أجهزة رقابية أخرى قادرة على التصدي لأي تجاوزات أو ممارسات تدخل في نطاق المغامرة، وهي الأمور التي يفترض أن يحاسب عليها أي مسؤول يقدم على أي عمل دون دراسة متأنية، وتمحيص دقيق، واستشارة الخبراء، وموافقة صريحة من مجلس الوزراء، الذي يمثل أعلى سلطة تنفيذية في البلاد. وكان من المفترض أيضًا أن يقوم مجلس الشورى، الذي بدأ أعماله في عام 1994، بدور فعال في الحد من تفاقم الآثار السلبية لظاهرة "الرجال الواصلين"، على الأقل في الحالات الثلاث الأخيرة التي ذكرها الدكتور القنيبط، والمتعلقة بالاتصالات السعودية، وجامعة الملك سعود، والهيئة العامة للاستثمار.

أما فيما يتعلق بـ "الرجل الواصل" الأخير، فأنا لا أعتقد أن هذا الوصف ينطبق عليه تمامًا، فالظروف قد تغيرت بشكل كبير، وهناك إجراءات عديدة يجب على أي شخص، سواء كان "واصلاً" أو غير ذلك، أن يمر بها، بدءًا من طرح الفكرة ودراستها بعناية، ومرورًا بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ثم مجلس الوزراء. ولا يمكننا أن نغفل في ظل هذه التطورات دور وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت بمثابة عين ساهرة ترصد كل صغيرة وكبيرة، بالإضافة إلى الدور المحوري الذي يفترض أن يضطلع به مجلس الشورى، بموجب الصلاحيات الممنوحة له في النظام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة